ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: {وأنّ الفرج مع الكرب}، تأمل هذه البلاغة النبوية وانظر لواقع الناس، فإنهم يطلبون دائماً الفرج، ويريدون التيسير والخير، ولكنهم يهربون من الآلام والمتاعب، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد قرنهما، فإذا كنت تريد النصر فهو مع الصبر، وإذا كنت تريد الفرج فهو مع الكرب، فلا يمكن أن تحصل على الفرج دون أن يأتيك الكرب، ومقتضى ذلك: أن الكرب إذا حصل فصبرت، فإن الفرج آت لا محالة.
ثم قال: {وأنّ مع العسر يسراً}، وهذا مما اختص الله تعالى به عباده المؤمنين؛ أنهم يصبرون على كل ما ينالهم من عسر، وانظر إلى صبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يقول: ربي الله، كما قال الصديق رضي الله تعالى عنه: {أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟!}، وهذه المقالة قد قالها مؤمن آل فرعون من قبل، قال تعالى: (( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ))[غافر:28]، وكذلك كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يعذبون ويؤذون ويطردون؛ لأنهم يقولون: ربنا الله، حتى إنهم حين هاجروا إلى الحبشة ظلت قريش تطاردهم وتؤذيهم وهم في بلاد الغربة، فمع ما أصابهم من غربة في تلك البلاد البعيدة عن الأهل والصحب، ترسل قريش وفداً إلى الحبشة ليقولوا للنجاشي: إن هؤلاء فارقوا ديننا وتركوا ما كنا عليه، فأرجعهم إلينا!
سبحان الله !! هكذا يُرغم الإنسان ويُكره على أن يعتقد الباطل، وتصادر حريته؛ لأنه يقول: ربي الله، وما زادهم ذلك إلا صبراً وتحملاً في سبيل الله.
وأيضاً صبروا في بدر، وفي أحد، وفي الخندق، وفي حنين، وفي تبوك، وغيرها من الغزوات.
فقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم وأصحابه كلها محن وابتلاء، فصبروا، ثم جاء بعد ذلك اليسر من الله سبحانه وتعالى، وجاءتهم الدنيا راغمة، وأورثهم الله تبارك وتعالى ملك كسرى وقيصر، ووعدهم بما هو أعظم من ذلك كله، وهو نيل رضاه سبحانه، ودخول جنته التي وعد بها عباده الصالحين، وهم أوّل من ينال ذلك الفضل منه سبحانه وتعالى.
إذاً: هذا الحديث من جوامع وصاياه صلى الله عليه وسلم، التي يجب علينا أن نتأملها ونتدبرها، وألا نضيعها، وسوف يأتي في كلام المصنف رحمه الله بعد ذكر الأقلام وأنواعها ما يؤيد ذلك ويؤكده.